الحياة تزداد تعقيدًا بلاشك ....الحياة فى الماضى رغم شقائها إلا انها كانت اسهل ...فقط تخيل جيل السبعينات ومحاولة الاتصال بالقاهرة أو الاسكندرية ...وهذا يعنى ان تذهب للسنترال فى ساعة مبكرة من اليوم وتمضى اربعة ساعات تنتظر فى توتر بينما الصوت الهادر الحكومى من ان الى اخر عبر مكبر الصوت 45567 مصر كبينة 80 ...فترى أحد الجالسين يهرع كالملسوع نحو كبينة 80 ..ويبدأ فى الصراخ بينما كل الجالسين يسمعون تفاصيل ما يقال ...عشرة ثوان ثم تنقطع المكالمة فيخرج خائب الامل ليجلس بإنتظار محاولة اخرى
ورغم ذلك تسمع عبارة كبار السن المعتادة ...كانت الحياة أبسط وامتع برغم كل شىء ....كنا نخلق المرح
والسعادة من ابسط الاشياء
فطفل اليوم يملك التليفون الذكى والقنوات الفضائية المهولة ..واجهزة البلاى استيشن ...لكنه بالتأكيد ليس سعيدًا
بالمقارنة بأطفال السبعينيات الذين كانوا يقصون الطائرات من ورق الجرائد ...ويصنعون زينة رمضان من اوراق الكراريس ....واللعب بالبلى ولعبة (الكبة ) والسيجه ولعبة( الأولي المرسومه على الارض) للفتيات وغيرها من الالعاب الشعبية التى تحمل أجمل الذكريات
كنت ترى امام كل مدرسة الرجل العجوز الطيب الذى يبيع الدوم والحرنكش واللب السورى ...هذا الرجل الذى يعرف بدقة تامة موعد الانصراف ليهرع بعربته الى المدرسة ويبيع لك اشياء كانت فى نظرك جميلة ورائعة
اين ذهب جيل الامهات والخالات والجارات اللاتى يعرفن كل شىء...كيف يذوبن السمن لإعداد "المورتة " الشهية ..وتقدر كل واحدة منهن على ذبح وتنظيف خمسة دجاجات
هؤلاء النساء يعرفن كيف يدمسن الفول ومتى تضاف معلقة سكر فى لحظة استراتيجية معينة تضمن له النضج
اين هؤلاء الاباء الغارقون بالعرق الذين يعودون من العمل ظهرًا ومعهم بطيخه وجريدة ..يتوارى الصبية ذعرًا فى غرفهم لأن هذا هو وقت تنفيذ الأم لتهديدها المخيف "حقول لأبوك اما يجى " الاب الذى يشرف بنفسه على ذبح البطيخه حتى يتأكد بنفسه من ان البائع لم يخدعه ....يجلس ليلتهم الغداء فى نهم ويليه كمية هائلة من البطيخ ...ثم يدخل لينام وقت العصر...وعندما يصحوا عند المغرب لن يذهب لأى عمل لأن الراتب يكفيه ....بل يجلس بسروال البيجامة الكستور فى الشرفة نصف المظلمة يشرب الشاى بالنعناع ويشغل محطة الراديو على اغانى ام كلثوم ومن مكانه يدير شئون الاسرة ..ويصدر تعليماته ...كان من الهيبة ما يجعل الكل يطيعه ...هذا الاب الذى يستطيع ان يصلح كل شىء ...الصنابير وتغير فتيل المنصهر واصلاح لعبة الولد الزنبركية
الزمن يتطور ....وهناك انماطًا من البشر يؤلمنى بشدة ان نفقدها ...والاقسى من هذا ان تقابل شبابًا لم يلتقوا بهذه الانماط الرائعة
ان انقراض هذه النوعية من البشر هو اخطر من انقراض الباندا او اى نوع نادر من على وجه الارض
ان من الخسارة ان ينقرض هذا النوع من البشر
قهوة باليورانيوم /خالد توفيق

No comments:
Post a Comment