عيد البلوغ عند الهنود الحمر
اهم ما يلفت النظر فى الحياة الاجتماعية عند الهنود الحمر أنها تزخر بالأفراح والأعياد ومن أهم هذه الأعياد (عيد البلوغ ) ...وتختلف مراسم الاحتفال ببلوغ الفتى اختلافًا كبيرًا عن مراسم (بلوغ الفتاة ) وتعتبر مناسبة بلوغ الفتى من أهم الاحداث على الاطلاق ...هل يدخل عالم الرجال او انه غير كفء لذلك ..والخطوات التى تتبع للاحتفال ببلوغه يجب أن تتسم بالشدة والصرامه ..لايصح أن يكون فيها لهو أو رقص ولا يجوز أن يشترك فيها النساء .
واذا وصل الغلام إلى سن البلوغ فإن أباه يذهب لمقابلة حكيم القرية يبلغه أن له ولدًا اشتد عوده وازداد طوله ,وانصرف عن اللعب مع الاولاد وزهد فى الحكايات التى كان يسمعها من أمه وصديقاتها من النساء وانجذب فى نفس الوقت الى مجالس الرجال ...كما يشكو الى الحكيم أن ابنه يدخن الغليون فى الخفاء
ويصمت الحكيم برهة بعد أن يستمع الى كلام الأب ثم يسأله قائًلا ...وهل اتي ابنك بعمل يشبه أعمال الرجال ...والاب يعرف جيدًا ماذا يقصد الحكيم بهذا السؤال ,فهم ينتظرون من الغلام أن يأتى بعمل يلفت الأنظار وأن يكون هذا العمل مما يتميز به الشجعان وفى الزمن القديم كانوا يتوقعون منه ان يقتل رجلاً من قبيلة الاعداء ولكن الاحوال تغيرت مع الأيام ويكفيه الان أن يصطاد صيدًا سمينًا تأكله عشيرته أو يقتل وحشًا ضاريا فيؤمنهم شره ...ويأمر الحكيم بأن ينقطع الغلام عن الطعام والشراب وعن الكلام فقد يعينه ذلك على أن يشاهد فى منامه ( الرؤيا المقدسة ) وفى الصباح الباكر يخرج الحكيم إلى الخلاء ومن خلفه الفتى وابوه صامتين ويتعاون الاب مع ابنه فى نصب كوخ للحكيم يعتكف فيه للعباده والدعاء ثم يقيمان كوخًا اخر للأب
ويشير الحكيم إلى الوالد ان يبقى فى مكانه وأن يتبعه الغلام وفى مكان أخر منعزل يتركه الحكيم هكذا فى الخلاء بدون طعام أو شراب أو غطاء ،ويعود إليه فى صباح اليوم التالى فيأمره أن يخرج عن صمته ويقص عليه ما رأى فى ليلته من أحلام فإذا لم يجد الحكيم الرؤيا المقدسة فى تلك الأحلام فإنه ينصرف ويظل هكذا يزور الغلام كل صباح ليسمع منه ,إلى أن ينطق الغلام بدون أن يدرى بالرؤيا المقدسة ولايعرف أحد بالتحديد ماهى الرؤيا التى يجب أن يراها الغلام حتى الحكيم نفسه ,ولكن بعلمه وحكمته يستطيع أن يستشف هذه الرؤيا من خلال كلام الغلام وهو وحده القادر على تأويلها
ولو استعصت حال الغلام ولم تفلح معه دعوات الحكيم فإنه يعطيه مسحوقًا جافًا من جذور بعض النباتات والأعشاب مثل "الدتورا " وأعشاب "الجمسون "وهى فيما أظن نباتات مخدرة تشبه فى أثرها الحشيش والأفيون .
فإذا ما تناولها الغلام فإنه يغيب عن الوعى ويهذى بكلام غريب وغالبأ ما تعطف عليه الألهة وهو على تلك الحال وتسمح له بمشاهدة الرؤيا المقدسة .....وبعد فترة أشد ما تكون على الوالد تأتى اللحظة الحاسمة ...لحظة ظهور النتيجة ...فيرفع الحكيم عصاه ويضرب ظهر الغلام مداعبًا ....انه اقترب ودخل عالم الرجال ....وفى المساء يقيم الاب احتفالًا يدعو إليه كل رجال القرية ...ولكي تثبت كفاءة ابنه فى عالم الرجال فأنه يتعرض لأنواع متعددة من العذاب ...فإذا صمد لها فإنه يكون اهًلا للدخول فى عالم الرجال وإلا يغادر القبيلة ...واذا مر الغلام بمراحل التعذيب بدون جزع فإن الحكيم يعلن فى لهجة حاسمة ...انه رجل ويحق له ان يجلس فى مجالس الرجال
سمية محمد خواسيك/ فى بلاد الهنود الحمر – دار العالم العربى /2020
No comments:
Post a Comment