خرجت من غرفة العمليات، وقد تم استئصال المرارة، نظر الطبيب
إليها بحيادية، بينما تساءلت أنا: "هل يفتقد الكبد رفيقته المرارة؟" تلك
العلاقة التي جمعت بينهما، العلاقة الكيميائية الحيوية التي نظمت حياتي دون أن أدرك.
هل يشعر الكبد بنقص في تلك الدائرة المتصلة التي كانت المرارة جزءاً منها؟ ربما ليس
شعوراً بالمعنى الذي نعرفه، ولكنه فراغ، غياب، شيء لم يعد موجودًا. ربما كانت تؤلم
الكبد أيضًا. لكنني أحيانًا أتساءل: هل شعرت المرارة بالحزن لأنني أهملتها؟ هل قررت
الرحيل لأنها شعرت بأنني تجاهلتها في زحمة الألم وانشغالاتي؟
احيانًا أعتقد أن
المرارة، تلك العضو الصغير، حزنت كونها لم تلقَ اهتمامًا مني أو من باقي أعضاء جسدي.
ربما شعرت بالإهمال، فقررت أن تختفي وتترك مكانها فارغًا. كأنما هناك شعور بالخسارة
يتسلل إلى كل أعضاء الجسد حين يفقد جزءًا منه. هل كانت تحاول إرسال رسائل ألم لتنبهني
إلى حاجتها للرعاية؟ وهل عندما أدارت ظهرها ورحلت كانت تشعر بالخيانة من جسد لم يعطها
ما تحتاجه؟
هل تحمل الأعضاء في طياتها روحًا؟ وهل تتألم لفقدان بعضها؟
ربما تعيش في صمتها الخاص، غير قادرة على التعبير أو الشكوى، لكننا نحن من نتكلم بالنيابة
عنها، نحن من نعيش بتلك الأعضاء، ونربط مشاعرنا بالجسد الذي يسكنه روحنا.
وامتدد تفكرى ليشمل الجماد فقد تذكرت طاولة أبي القديمة،
التي جلسنا عليها مرات لا تحصى. عندما كُسرت إحدى كراسيها، لم يعد المجلس كما كان.
شعرت كأن الطاولة ذاتها قد حزنت لفقدان جزء منها. وباقى الكراسى حزنت لفقدان اخًا
لها . نحن من نُسقط مشاعرنا على الأشياء، ونتخيل
أن لها مشاعر مثلنا. ولكن، هل الطاولة كانت تشعر بغياب الكرسي؟ أم أن هذا الشعور نشأ
من ذكرياتنا؟ كأن الأشياء التي تحيط بنا تشاركنا حيواتنا وتصبح جزءاً منا، حتى إذا
ما غاب شيء منها، شعرنا كأن العالم قد اختل قليلاً.
ربما الروح هي التي تسكن الأعضاء والأشياء. ربما نحن من ننفث
في الأشياء حولنا مشاعر الفقدان والحنين. نحن من نضع في الأثاث مشاعر الحزن، وفي الجسد
إحساس النقص. وربما الأشياء، كالأعضاء، تحمل جزءاً من روحنا، تنبض بحياتنا حتى في صمتها.
تأليف د. زينب نور الدين مشهور
No comments:
Post a Comment