Sunday, September 22, 2019

إنسان خابت توقعاته

من العجيب ان التقدم الذى جاء بمزيد من وسائل الترف والراحة ....وبمزيد من التسهيلات للإنسان ...قد قابله الإنسان بمزيد من الرفض والسخط والتبرم ،  فإحصائيات الانتحار ترتفع مع مؤشرات التقدم فى كل بلد ...كلما ازداد البلد مدنية ازداد عدد الذين يطلقون على أنفسهم الرصاص ويلقون بأنفسهم من النوافذ ويبتلعون الحبوب .....هذا غير الانتحار المستتر بالخمور والمخدرات والتدخين ....وقد ترى من المنتحرين رجال فكر وفن وثقافة ....ونجد أيضا بعض الفقراء الذين يئسوا  من الحياة
ولكننا إذا أدركنا تفاصيل الأنتحار جانبًا وجدنا أسباب الأنتحار تنتهى إلى سبب واحد ....أننا امام انسان  خابت توقعاته
ولم يعد يجد فى نفسه العزم او الهمة أو الأستعداد للمصالحة مع الواقع الجديد او الصبر على واقع تم فرضة
إنها لحظة نفاذ طاقة ونفاذ صبر ونفاذ حيلة ونفاذ عزم
لحظة إلقاء سلاح يأس....ما يلبث ان ينقلب الى إتهام وإدانة للأخرين وللدنيا ثم عداوة للنفس وللأخرين وتظل هذه الحالة فى تصاعد  وتتفاقم حتى تتحول إلى حرب من نوع مختلف يعلنها الواحد على نفسه ويشنها على باطنه ، وفى لحظة ذروة تلتقط يده
السلاح لتقتلع المشكلة من جذورها ....وهو فى جوهرة نوع من انواع الانفراد بالراى والانفراد بالحل ومصادرة جميع الاراء الأخرى ...ثم الانفراد بانكار حقيقة وجودك ....ولهذا كانت لحظة الانتحار تتضمن بالضرورة الكفر بالله واليائس من رحمته واتهامة بالظلم
 فالانسان لاينتحر الا فى لحظة دكتاتورية مطلقة وتعصب أعمى لايرى فيه إلا نفسه
والمنتحر يتصور بانه سوف يتخلص من نفسه ومن عذابه فى الدنيا ....ولكن فى حقيقة الامر لامفر للإنسان من ذاته ، بل هو خارج من النار الصغرى الى النار الكبرى
هذا المصير فإننا لابد ان نتجنب المشكلة اصلًا ...والمشكلة اصلًا هى التعلق ...ومن ليس له تعلق بشىء لا ينتحر لشىء
والمقصود بالتعلق هنا الاستماته فى طلب شىء ما
وانما اجعل تعلقك دائما بالله فالمتعلق بالله مطمئن حتى وان فقد كل شىء لذلك نجد ان اغلب المنتحرين كانوا فى بعد عن الروحانيات وبعد عن الله ....لاتخلوا حياة اى إنسان من البلاء والمحن ولكن عندما اجريت أغلب الدراسات عن الأشخاص الذين تحملوا صعاب الحياة هم الاأشخاص الذين كان لديهم ايمان قوى باطنى وليس ظاهرى .....وعند دراسة حياة اغلب المنتحرين ....كانت حياتهم بعيدة كل البعد عن الايمان بالله بل كان اغلبهم ملحد ولا يؤمن بوجود الله

من كتاب أناشيد الاثم والبراءة /مصطفى محمود / دار المعارف /1999


م   

No comments:

Post a Comment