Monday, October 21, 2019

هوى

الاغا افندى ....أحد أعيان وجنود المماليك زوجته مصرية اصولها تركية ....بعد زواجه بشهور حملت بطفلها الأول ولم يكتمل الحمل وحدث لها إجهاض وسقطت فريسة الحمى ...وكانت حالتها تسوء ....استغل زوجها ذلك واخلى البيت واخذ كل ثمين فهو يعلم انها وحيدة فى القاهرة ...وأهلها من اقصى شمال الدلتا .......فقد علم هو وغيره من المماليك ان جيوش الفرنسيس اقتربوا من سواحل مصر ....وتصدى لهم بعض المماليك وقتلوا جميعا ....ومن المؤكد ان الفرنسيس يبحثون عن باقى المماليك ليقضوا عليهم ......اخذ الأغا افندى كل شىء ونظر نظرة اخيرة على زوجته وهى فى غيبوبتها .....وقال فى نفسه من المؤكد انها سوف تموت ....انما هى مسألة وقت .....وخرج مسرعًا 
لا تدرى زوجته واسمها "هوى " كم استمرت غيبوبتها .....لكن عندما فتحت عينيها وجدت اربعة اوجه غريبة تطل عليها ....اوجه شاحبة بيضاء ...عيونها زرقاء .....يتحدثون بلغة لا تفهمها ....فكرت مذعورة انهم الفرنسيس .....اين ذهب زوجى 
انفجرت "هوى " فى البكاء ....وقالت انا لا اعرف اى شيء ....كما اننى مريضة ....نظر الجنود فى المنزل ....وعلموا ....ان زوجها اخذ كل شىء فى المنزل وهرب ....انصرف الجنود كلهم ....وتبقى واحد منهم  ....سقاها ماء ....وانصرف وعاد بعد قليل يحمل فى يده طعام ودواء لها .....اخذ يهتم بها ويعاملها بلطف ....كما انه ينطق  القليل من الكلمات العربى 
....كانت تسكن هوى فى حى يعيش فيه المماليك ...لذلك اغلب سكان الحى هربوا ....لقد عاشت القاهرة ليلة غريبة بلا مماليك ...وعاشت اقصر فترة استقلال فى تاريخها ....هرب المماليك فى اليل وفى الصباح دخلت الطوابير الفرنسية باسلحتها الحديث التى حصدت الكثير من المماليك ....وبعد ايام قليلة اكتشفت القاهرة انه لا فرق بين الفرنسيس والمماليك 
 نعود لبطلة قصتنا "هوى " التى وقع فى حبها احد جنود الفرنسيس ...لقد انبهر بلون بشرتها الخمرى ...وشعرها الاسود الفاحم ...وهذة العيون اللوزية ....فهى ملامح مخالفة للنساء فى فرنسا ..كما انه من النادر ان ترى سيدة مصرية ....فالنساء لاتخرج ابدا .....والرجال هم من يخرجون ....كان هذا الجندى الفرنسى اسمه "نيكول " عرض الزواج على "هوى " ....وافقت هوى رغم اختلاف الدين واللغة ...واخبرها انه سوف يغير دينه من اجلها .....تزوجها شفهيا بدون عقد وبدون اى شىء ...جعلها تخرج من البيت ...اذ جرت العادة فى ذلك الوقت الا تخرج المرأة من البيت بعد الزواج الا الى القبر ...سارت بجانبه فى الشوارع ...عاشت "هوى " سعيدة ....جعلها تحضر حفلات الفرنسين ....ولكنها كانت تشعر بالخوف بين الفترة والاخرى ,..ماذا اذا علم اهلها انها تزوجت من فرنسى ...وانها تخرج من البيت وتحضر حفلات الفرنسيين ....لقد عاشت هوى فترة سعيدة ....ولكنها قصيرة 
فقد جاء الاتراك مرة اخرى وواصل الانجليز حصار الفرنسيين ودمرت الاساطيل الفرنسية 
وادى ذلك لرحيل الفرنسيين "  
 ...اعد "نيكول "عدته للرحيل الى فرنسا ...وسارت هوى خلف "نيكول " وقالت له خذنى معك ..اتوسل اليك ..صاح فيها ...تريدين الذهاب لمارسيليا ؟ ماذا اقول لزوجتى وأولادى ؟ توسلت اليه ...انها سوف تقتل ان عاشت فى مصر ...اعطاها "نيكول " نقود كثيرة وقال لها ما حدث فى مصر حدث وانتهى وتركها وذهب 
شعرت "هوى " بالحزن وخصوصًا انها اصبحت حامل فى شهرها السادس ...تمنت هوى ان تموت بالطاعون مثل باقى الناس ولكنها لم تمت ...واكتمل البؤس بعودة "الاغا افندى " لم يمت مثلما كانت تعتقد ...وانما كان مختبىء  
علمت "هوى " انها ميتة لا محالة ....جرها من شعرها وضربها واجهضها وسقطت "هوى " فى غيبوبة ابدية 
اما الاغا افندى ...فقد مات بعد ذلك فى مذبحة القلعة على يد محمد على ...واما "نيكول " فقد مات بعد ذلك فى عكا بالطاعون 


لحظة تاريخ /30 حكاية من الزمن العربى/  // محمد المنسى قنديل /دار الشروق /2019

No comments:

Post a Comment